جاري التحميل...

آمنة الجيدة.. امرأةٌ أضاءت دروب قطر

الجسرة الإخبارية
الجمعة 30 مايو 2025

قبل 85 عاما، في قلب الدوحة الهادئ، لم يكن اسم "أم علي" مجرد كنية عابرة، بل كان نداء أيقظ روح العلم في نفوس فتيات دولة قطر.

السيدة آمنة محمود يوسف الجيدة، رائدة التعليم النسائي، أضاءت شمعة المعرفة في زمن كانت فيه دروب العلم شبه مظلمة أمام الفتيات، تاركة إرثا يتجاوز حدود الزمن ويستمر في إلهام الأجيال.

وُلدت آمنة الجيدة في الدوحة عام 1913، ونشأت في كنف أسرة رعتها على حب العلم والدين، وفي سن الرابعة عشرة بدأت رحلتها التعليمية بتدريس القرآن الكريم، مُظهرة شغفا مبكرا بالعطاء والمعرفة.

هذه البداية كانت الشرارة التي أشعلت مسيرة تعليمية ضخمة غيّرت وجه المجتمع القطري نحو الأفضل، ففي عام 1938، تحوّل منزلها بمنطقة الجسرة إلى أول "كُتّاب" خاص بالفتيات.

كانت "أم علي" تجوب الأزقة والشوارع، تدعو بنات "الفريج" ليجلسن في حلقات دائرية على الأرض، يتعلمن القرآن واللغة العربية بأسلوب التلقين الأصيل، هذا المشهد البسيط كان يحمل في طياته بذرة نهضة تعليمية نسائية كبرى في دولة قطر.

تُوثق سيرتها العطرة أنها بدأت بـ 60 طالبة، وسرعان ما ذاع صيتها ليتضاعف العدد إلى 100 طالبة.

تقول رحمها الله: "فصولنا كانت عبارة عن غرف وسبورة ولوح مع كل طالبة، يجلس الطلاب على الأرض كل واحد منهم على خشبته وأجلس مقابلة لهم أقرأ وهم يرددون ورائي.. كنت أعمل طوال النهار خاصة عندما تضاعف عدد الطلاب".

من بين طالباتها اللواتي نهلن من معين علمها، برزت السيدة شيخة بنت أحمد المحمود، التي أصبحت لاحقا أول وزيرة للتربية والتعليم في تاريخ دولة قطر الحديث.

هذا الإنجاز يُعد شهادة حية على عمق الأثر الذي تركته المعلمة آمنة الجيدة، وعلى جودة التعليم الذي قدمته رغم بساطة الإمكانيات آنذاك، مؤكدة أن الإرادة تصنع المستحيل.

لم تكتفِ آمنة الجيدة بالتعليم غير النظامي، بل كان طموحها أكبر، فجمعت التوقيعات لإقناع المسؤولين بضرورة افتتاح مدرسة نظامية خاصة بالبنات.

تكللت جهودها بالنجاح عام 1955 بافتتاح أول مدرسة نظامية للبنات، وتولت هي إدارتها ليتوج عطاؤها بانتقال المدرسة إلى مبنى أوسع حمل اسمها تكريما لها "مدرسة آمنة محمود الجيدة الابتدائية للبنات".

رحلت أستاذتنا القديرة عام 2000، لكنها تركت وراءها إرثا تعليميا وإنسانيا لا يمحى، فقصتها ليست مجرد سيرة معلمة، بل ملحمة امرأة آمنت بقوة التعليم وقدرته على تغيير المجتمع، وأثبتت أن الإرادة الصادقة قادرة على تحويل أبسط الإمكانات إلى أعظم الإنجازات.
 

شاهد المزيد من القصص