
في كلمة تاريخية من منبر الأمم المتحدة، وضع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، مُدينا الاعتداء الذي استهدف الدوحة ومُشددا على أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي أصبحت "مارقة" تهدف لإفشال المفاوضات وتدمير غزة وتهجير سكانها.
كما أكد سموه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين على أن دولة قطر ماضية في نهجها الثابت القائم على الوساطة والدبلوماسية لإحلال السلام.
وشكلت كلمة سمو الأمير هذا العام موقفا مفصليا، إذ جاءت في أعقاب اعتداء التاسع من سبتمبر الذي وصفه سموه بـ "إرهاب الدولة"، والذي استهدف وفد حركة حماس التفاوضي في حي سكني بالدوحة وأسفر عن سقوط شهداء وجرحى.
واعتبر سموه هذا العدوان "انتهاك خطير لسيادة دولة وسيطة كرّست جهودها لحل الصراعات بالطرق السلمية على مدى سنوات".
محاولة لقتل السلام
فصّل سمو الأمير ملابسات "العدوان الغادر" على الدوحة، موضحا أنه لم يكن مجرد ملاحقة مزعومة لإرهابيين، بل اعتداء متعمد على دولة وساطة ومحاولة لـ"قتل سياسي" لوفد تفاوضه إسرائيل.
وانتقد سموه بشدة السلوك الإسرائيلي قائلا: "يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال أعضائها"، متسائلا: "أليس هذا هو تعريف الحكومة المارقة؟".
وقد لقي هذا الموقف القطري الحازم تضامنا دوليا واسعا، حيث أدان مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه الهجوم، وشدد في بيان له على دعمه لسيادة دولة قطر ودورها الرئيسي في جهود الوساطة.
كما أعربت العديد من الدول الأعضاء بالمجلس في بيانات مستقلة عن أسفها البالغ لسقوط ضحايا مدنيين، معتبرة الهجوم انتهاكا صارخا للقانون الدولي ومحاولة لتقويض جهود السلام.
فضح أهداف الحرب الحقيقية
ذهب سمو الأمير إلى ما هو أبعد من إدانة الهجوم، ليكشف عن الأهداف الحقيقية للحكومة الإسرائيلية من الحرب المستمرة على قطاع غزة، حيث أكد أن هدفها ليس تحرير الرهائن، بل "تدمير غزة بحيث يستحيل فيها السكن والعمل والتعليم والعلاج، أي تنعدم مقومات الحياة الإنسانية، وذلك تمهيدا لتهجير سكانها".
وأوضح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يعتبر الحرب فرصة لتوسيع المستوطنات وتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، والتخطيط لعمليات ضم في الضفة الغربية، واصفا ذلك بـ "التطهير العرقي".
كما لفت سموه إلى أن إسرائيل ليست ديمقراطية في محيط معادٍ كما تدعي، بل هي "معادية لمحيطها" وضالعة في بناء نظام فصل عنصري.
ثبات على المبادئ
وأكد سمو الأمير أن دولة قطر ستظل وفية لنهجها في "الوقوف في صف القيم والمبادئ" و"عدم الخشية في رفع صوت الحق حين يخيم الصمت"، وأعلن مواصلة الجهود الدبلوماسية للوساطة بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، رغم حملات التضليل التي تواجه هذه الجهود.
وشدد على أن تحقيق السلام يتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم لحل القضية الفلسطينية على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.
وقد عكس هذا الموقف الثبات التاريخي لدولة قطر في دعم القضية الفلسطينية عبر كافة المنابر الدولية.
بشائر أمل في المنطقة
وأشاد سموه بالتطورات الإيجابية في سوريا منذ أواخر العام الماضي، معربا عن الأمل في أن تكون "بداية مسار نحو تحقيق تطلعات الشعب السوري".
كما رحب بانتخاب الرئيس جوزيف عون في لبنان وتعيين نواف سلام رئيسا للحكومة، واصفا ذلك بـ"خطوة هامة نحو استقرار الأوضاع".
الدوحة.. عاصمة السلام والتنمية
واختتم سمو الأمير كلمته بالتأكيد على مكانة الدوحة كعاصمة عالمية للسلام والحوار والتنمية، وأعلن سموه عن استضافة قطر لمؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية في نوفمبر 2025.
كما جدد التأكيد على أن ملف قطر لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2036 ينطلق من الإيمان بأن الرياضة جسر يربط بين الشعوب ومنصة لترسيخ قيم السلام والتفاهم.
يأتي هذا الخطاب في إطار مشاركة سمو الأمير السنوية في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعكس الثوابت القطرية في مناصرة القضايا العادلة والدفاع عن القانون الدولي.
وقد لقيت مواقف دولة قطر تضامنا دوليا واسعا، بما في ذلك بيان مجلس الأمن الذي أدان العدوان بإجماع أعضائه، ما يؤكد مكانة قطر كدولة محورية في الوساطة وصناعة السلام على المستوى الإقليمي والدولي.